:

أحدث ما توصل إليه الطب في زراعة القلب والرئة: الأمل لمرضى الحالات الحرجة

تُعد زراعة الأعضاء من أعظم إنجازات الطب الحديث، فقد أنقذت حياة الملايين من المرضى حول العالم. ومن بين أهم هذه العمليات وأكثرها تعقيدًا: زراعة القلب والرئة. إذ تلجأ المستشفيات العالمية إليها كخيار أخير لإنقاذ المرضى المصابين بفشل متقدم في القلب أو الرئتين، بعد استنفاد جميع طرق العلاج التقليدية.

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تطورًا مذهلًا في هذا المجال، سواء من حيث التقنيات الجراحية، أو طرق الحفاظ على الأعضاء، أو حتى الأبحاث في مجال زراعة الأعضاء الاصطناعية والهجينة. هذه الإنجازات تمنح المرضى الأمل في حياة جديدة أكثر صحة وجودة.

أولًا: ما هي زراعة القلب والرئة؟

• زراعة القلب: عملية جراحية يتم فيها استبدال قلب مريض يعاني من فشل قلبي نهائي بقلب سليم من متبرع.

• زراعة الرئة: استبدال إحدى الرئتين أو كليهما برئة سليمة من متبرع.

• زراعة القلب والرئة معًا: تجرى في بعض الحالات النادرة لمرضى يعانون من فشل في كلا العضوين، وهي من أعقد العمليات الجراحية.

ثانيًا: دواعي إجراء زراعة القلب والرئة

دواعي زراعة القلب

• فشل القلب الاحتقاني (Congestive Heart Failure).

• اعتلال عضلة القلب التوسعي.

• أمراض القلب الوراثية أو التشوهات الخَلقية.

• فشل القلب بعد النوبات القلبية المتكررة.

دواعي زراعة الرئة

• التليف الكيسي (Cystic Fibrosis).

• التليف الرئوي (Pulmonary Fibrosis).

• مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

• ارتفاع ضغط الشريان الرئوي.

دواعي زراعة القلب والرئة معًا

• أمراض نادرة تصيب كلًا من القلب والرئتين.

• ارتفاع ضغط الدم الرئوي الحاد مع فشل قلبي.

• التشوهات الخَلقية المعقدة.

ثالثًا: التطورات الحديثة في زراعة القلب والرئة

1. تقنيات الحفاظ على الأعضاء

• جهاز "Organ Care System (OCS)": يُعرف أيضًا باسم "القلب النابض خارج الجسم"، حيث يتم إبقاء القلب أو الرئة نابضًا أو متنفسًا خارج الجسم حتى لحظة الزراعة، مما يزيد من نجاح العملية ويطيل فترة صلاحية العضو.

2. التقدم في الجراحات طفيفة التوغل

• إدخال الروبوتات الجراحية لتقليل المضاعفات، وتسريع الشفاء، وتحسين دقة الزراعة.

3. العلاجات المناعية المتقدمة

• تطوير أدوية مناعية أكثر أمانًا لتقليل خطر رفض الأعضاء المزروعة.

• استخدام الخلايا الجذعية لدعم تقبل الجسم للعضو الجديد.

4. زراعة الأعضاء الاصطناعية والهجينة

• القلوب الصناعية الكاملة مثل Total Artificial Heart (TAH) تُستخدم كحل مؤقت للمرضى بانتظار متبرع.

• الرئات الاصطناعية (Lung Assist Devices) تساعد المرضى على البقاء أحياء حتى تتوفر رئة مناسبة.

5. الطباعة ثلاثية الأبعاد للأعضاء

• بدأ الباحثون بتجربة طباعة أنسجة قلبية ورئوية ثلاثية الأبعاد باستخدام الخلايا الجذعية، وهو أمل كبير للمستقبل لتقليل الاعتماد على المتبرعين.

رابعًا: معدلات النجاح والبقاء على قيد الحياة

• زراعة القلب: معدلات البقاء على قيد الحياة تصل إلى 85% بعد سنة واحدة، و75% بعد 5 سنوات.

• زراعة الرئة: معدلات البقاء أقل من القلب، لكنها في تحسن مستمر (حوالي 70% بعد سنة واحدة، و50% بعد 5 سنوات).

• زراعة القلب والرئة معًا: نسبة النجاح أقل نظرًا لتعقيدها، لكنها لا تزال تمنح الأمل للمرضى الذين لم يكن أمامهم أي فرصة للنجاة.

خامسًا: التحديات التي تواجه زراعة القلب والرئة

1. نقص المتبرعين: الطلب على الأعضاء يفوق بكثير المعروض، ما يطيل قوائم الانتظار.

2. رفض الجسم للعضو: رغم التقدم في الأدوية المناعية، يبقى خطر الرفض قائمًا.

3. التكاليف المرتفعة: تُعتبر من أغلى العمليات الطبية في العالم، إذ قد تتجاوز تكلفتها نصف مليون دولار في بعض الدول.

4. المضاعفات طويلة الأمد: مثل العدوى، وأمراض الكلى الناتجة عن الأدوية المثبطة للمناعة.

سادسًا: قصص نجاح ملهمة

• في الولايات المتحدة، تمكّن أطباء عام 2022 من إجراء أول عملية زراعة قلب خنزير معدل وراثيًا لإنسان، ما فتح بابًا جديدًا للأبحاث.

• في أوروبا، حققت فرق طبية تقدمًا مذهلًا باستخدام تقنية القلب النابض خارج الجسم، مما ضاعف من فرص النجاح.

• في بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات، أُجريت عمليات زراعة قلب ورئة ناجحة، بفضل برامج متطورة للتبرع بالأعضاء.

سابعًا: مستقبل زراعة القلب والرئة

• الأبحاث تتجه نحو الأعضاء الاصطناعية المطبوعة بالخلايا الجذعية لتقليل الاعتماد على المتبرعين.

• الذكاء الاصطناعي سيساعد في اختيار المرضى الأنسب للزراعة ومتابعتهم بعد العملية.

• تطوير أدوية مناعية ذكية تقلل الآثار الجانبية على المدى الطويل.

زراعة القلب والرئة لم تعد مجرد عملية معقدة لإنقاذ حياة فردية، بل أصبحت رمزًا للتقدم الطبي والإنساني. فبفضل التطور العلمي، أصبح المرضى الذين كانوا يعيشون معاناة قاسية بسبب أمراض القلب والرئة يملكون فرصة جديدة للحياة.

ومع استمرار الأبحاث في مجالات مثل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، والأعضاء الاصطناعية، والعلاجات المناعية المتطورة، فإن المستقبل يعد بمزيد من الأمل للمرضى الذين يواجهون أصعب التحديات الصحية.

المصادر

1. Mayo Clinic – Heart Transplant Overview.

2. American Lung Association – Lung Transplant Facts.

3. The Lancet – Advances in Heart and Lung Transplantation (2022).

4. Cleveland Clinic – Heart-Lung Transplant: Indications and Outcomes.

5. Journal of Thoracic and Cardiovascular Surgery (2023).