كعب بن زهير (هو كَعْب بن زهير بن أبي سُلْمى) يعد من أبرز شعراء نهاية العصر الجاهلي وبدايات العصر الإسلامي، وذُكر اسمه في المصادر الأدبية والتاريخية بفضل موهبته الشعرية وحادثة التحول الشهيرة التي قادت إلى إنشاد قصيدته المعروفة «بانت سعاد» أمام النبي ﷺ، والتي نالت رداءً شريفًا (الرداء) من رسول الله كتكريم ومغفرة. قصته تجمع بين الشعر والأدب والتاريخ والاجتماع، لذا فهي مادة خصبة للباحثين وقراء الأدب العربي.
النسب والنشأة
-
الاسم والنسب: كعب بن زهير بن أبي سلمى.
-
القبيلة: ينحدر من قبيلة مُزينة، وهي قبيلة عدنانية معروفة في الحجاز ونجد، وأباه الشاعر المشهور زهير بن أبي سُلمى (شاعر الحكمة)، مما جعل كعب ينشأ في بيت شعري ثقافي.
-
لم تُحدد المصادر تاريخ ميلاده بدقة، لكن المعروف أنه عاش في أواخر القرن السادس الميلادي وبدايات القرن السابع، فشهد وقائع صدر الإسلام الأولى وتفاعلاتها.
-
تربّى كعب في بيئة شعرية: والده زهير من جهابذة الشعر، وهذا أثر طبيعياً على ميول كعب ومزاياه اللغوية.
مصادر مرجعية: (ابن خلكان، وفيات الأعيان)؛ (الأصفهاني، الأغاني).
مسيرته الشعرية في الجاهلية وما بعدها
-
قبل الإسلام تدرّب كعب على الشعر، وبرز في الفخر والهجاء والمدح كما كان شائعًا بين شعراء عصره. إلا أن اسمه لم يبلغ ذروة الشهرة التي وصل إليها والده زهير أو بعض أعلام الجاهلية الأقدمين.
-
في مرحلة ما بعد البعثة وظهور الإسلام، وقع كعب في خصومات سياسية وشعرية مع مناصري النبي ﷺ والمجتمع المسلم الناشئ، فكتبت عليه النُكسات والحوادث ــ وفق نصوص المصادر ــ حتى صار مُعرضًا ومطاردًا، وابتعد عن المدينة وأهلها لسبب من أسباب النزاع والخصومة الشعرية (منها هجوه لبعض الشخصيات في بدايات الدعوة).
مصادر مرجعية: (ابن سعد، الطبقات الكبرى)؛ (الأغاني لأبي الفرج).
موقفه من الإسلام وتحولُه (قصة «بانت سعاد»)
أشهر فصل في حياة كعبُ بن زهير هو قصة توبته واعتزاله الهجاء ثم إنشاده «بانت سعاد» أمام النبي ﷺ. يمكن تلخيص الحكاية بالشكل التالي وفق الروايات التراثية:
-
السبب الأولي للمشكلة: في إحدى المراحل بعد ظهور الإسلام، صدر من كعب أو من جماعته هجاء أو كلمات مسيئة في حق النبي أو بعض الصحابة (تختلف الروايات في التفاصيل)، فأتقلبت الأمور فأصبح كعب مستهدفًا، واضطر إلى الفرار. الروايات تقول إنه عاش متوارياً لفترة.
-
قرار المصالحة: بعد فترة طويلة من الترحال والخطر، قرر كعب أن يلتمس العفو من النبي ﷺ. فتحوّل إلى المدينة وهو يحمل قَصيدةً تضرع بها وطلب الصفح.
-
قصيدة «بانت سعاد»: نظم كعب قصيدة اعتراف ومدح واعتذار هي قصيدة «بانت سُعادُ ...» (البِداية الشهيرة)، وأنشدها في مجلس النبي ﷺ. تقول الرواية إن النبي أمر بردائه (رداءً شريفًا) فوُضع على كتف كعب، ومنذ ذلك اتخذ كعب مكانة خاصة ونال العفو ودخل الإسلام.
-
النتيجة: تحوّل كعب إلى شاعر مسلم، واعتبر تحولُه علامة على سعة رحمة النبي ﷺ، كما صارت «بانت سعاد» من أشهر القصائد في التراث العربي، ودرست عبر العصور كنموذج للتوبة ومديح النبي.
ملاحظة نقدية: الروايات التفصيلية لهذه الحادثة وردت في مصادر متعددة مع فروق في التفاصيل (مكان الإنشاد، شكل الرداء، كلمات محددة). لكنها متقاربة في الجوهر: كعب أنشد «بانت سعاد» وطلب الصفح ونال رداء النبي تقديراً لموهبته وتوبتة.
مصادر مرجعية: (ابن سعد، الطبقات الكبرى؛ الأصفهاني، الأغاني؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك).
«بانت سعاد» — النص ومعانيه ودلالاته
-
مطلع القصيدة المشهور:
بَانتْ سُعادُ فَقَلْبِي اليومَ مَتَيَّمُ
(بَانَتْ سُعادُ فَقَلْبِي ...) -
هذه القصيدة طويلة، لكن أهم ما ميزها: خَفْقَةُ الندم والاعتراف بالحَقّ، وذِكر معالم المدح للنبي ﷺ، فضلاً عن لحظة إنسانية عميقة تجسدت في منحه الرداء (الرِّداء) من قبل الرسول، وهي صورة تكررت في الروايات كمشهد مصالحة ورفعة.
دلالات القصيدة:
-
التوبة والتصالح: نموذج لما يمكن أن يفعله الشعر: كفّ عن الهجاء وتحول إلى وسيلة للمصالحة.
-
قيمة الكلمة: تظهر القصيدة أن الكلمة القوية يمكن أن تقنع القلوب وتفتح الأبواب.
-
مكانة الشعراء: إن منحة الرداء من النبي تُقرّب فكرة أن مكانة الشعر في المجتمع العربي كانت كبيرة حتى في السياق الإسلامي المبكر، وأن الشاعر الصادق قد ينال التكريم.
مصادر لنص القصيدة والتحقيقات: توجد طبعات لقصيدة «بانت سعاد» في دواوين شعراء العصر الإسلامي المبكر ومجاميع التراجم، منها طبعات دواوين العرب وتحقيقات معاصرة.
خصائص شعر كعب بن زهير
-
اللغة والأسلوب: يمزج شعر كعب بين أصول الشعر الجاهلي (اللغة الفصيحة، الصور البيانية) ومناخ العصر الإسلامي؛ لغته رصينة واضحة، غالبًا ما تتسم بالصدق والعاطفة.
-
الموضوعات: المدح (لا سيما مدح النبي بعد التوبة)، الرثاء، الفخر في بعض المقتضيات، ونصائح أخلاقية تبعًا لتجربته.
-
التقنية الشعرية: يعتمد على القافية الموحدة، التفعيلة التقليدية للشعر العربي، ويظهر فيه إتقان الأداء أوّلًا كخلفية أسرية (كونه ابن زهير).
-
التحول الموضوعي: يتحول من شاعر يتعامل مع مناخات الجاهلية إلى شاعر يتبنّى قيمًا جديدة بعد الدخول في المجتمع الإسلامي، فتنعكس ذلك في مواضيع القصائد وتوظيفها.
مصادر نقدية: (الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني؛ شروح الدواوين).
علاقته بالبيئة الأدبية: تواصل مع كبار الشعراء واستمرارية الديوان
-
كعب لم يكن معزولًا؛ فقد انحدر من أسرة شعرية (ابن زهير) مما أعطاه موطئ قدم في المشهد الشعري.
-
ديوان كعب بن زهير جمع أشعاره لاحقًا في كتب الدواوين، وهو جزء من تراث الشعر العربي الذي درسته المدارس والجامعات.
-
أسلوبه وبصماته استُخدمت كنقطة تقاطع بين الشعر الجاهلي والإسلامي، ما جعله مرجعًا للباحثين في التحولات الثقافية.
مصادر: دواوين الشعر، مجلدات الأدب العربي، شروح المعلقات والمجالس.
وفاته وإرثه
-
تباينت الروايات حول سنة وفاة كعب بن زهير، لكن من الثابت أنه عاش حتى فترة متقدمة بعد انضمامه إلى المجتمع الإسلامي، وأن اشتهاره بالقصيدة التي أنشدها أمام النبي ظل علامة بارزة لاحقًا.
-
إرثه الأدبي بقي من خلال دواوينه ومقتطفات أدرجها المؤرخون والأدباء في كتبهم، كما أن قصة «بانت سعاد» بقيت أيقونة أدبية وتاريخية.
مصادر تاريخية: (ابن خلكان، وفيات الأعيان؛ ابن سعد، الطبقات).
مصادر ومراجع مقترحة للمزيد من القراءة (كتب تاريخية وأدبية)
-
أبي الفرج الأصفهاني — الأغاني (جمع سِيَر الشعراء والنصوص).
-
ابن سعد — الطبقات الكبرى (تراجم الصحابة والشعراء).
-
ابن خلكان — وفيات الأعيان (ترجمة أعلام).
-
الطبري — تاريخ الرسل والملوك (سياق تاريخي للعصر).
-
طبعات دواوين الشعراء: ديوان كعب بن زهير (مجموعات دواوين، مطبوعات المكتبات التراثية ومراكز تحقيق المخطوطات).
-
كتب نقدية حديثة عن الشعر الجاهلي والإسلامي (مؤلفات شوقي ضيف، وكتب النقد الأدبي العربي المعاصر).
تعليقات
إرسال تعليق