منذ فجر التاريخ، شكّلت النجوم والسماء كتابًا مفتوحًا للإنسان يقرأ منه أسرار الطبيعة وتقلبات الكون. كان العرب من أكثر الشعوب ارتباطًا بالسماء، فقد اعتمدوا على مراقبة النجوم في حياتهم اليومية، بدءًا من تحديد مواسم الزراعة والرعي، وصولًا إلى معرفة أوقات السفر والتجارة، وحتى الاستدلال على مواعيد المطر والبرد والحر.
لقد ابتكر العرب نظامًا متكاملًا يقوم على تقسيم السنة إلى 28 منزلة قمرية تُعرف بالأنواء، يربطون كل منزلة منها بظواهر طبيعية محددة مثل: تغير الطقس، مواسم الزراعة، تكاثر الحيوانات، ومواعيد الأمطار. وهذا النظام لم يكن مجرد خرافة أو موروث، بل هو نتاج ملاحظة دقيقة استمرت لقرون.
في هذه المقالة، سنقوم برحلة موسوعية نتعرف فيها على:
-
دور النجوم عند العرب في معرفة الفصول.
-
منازل القمر الـ 28 وأهميتها.
-
ما يُزرع ويُحصد في كل موسم.
-
تكاثر الحيوانات وارتباطه بالأنواء.
-
كيف انتقلت هذه المعرفة إلى العصور الحديثة وما زالت تلعب دورًا في حياتنا.
أولًا: النجوم عند العرب بين الماضي والحاضر
لم تكن النجوم عند العرب مجرد وسيلة للزينة في السماء، بل كانت:
-
أداة للتقويم: حيث قسّموا السنة إلى منازل النجوم.
-
وسيلة للملاحة: اعتمد البحارة والقوافل التجارية على النجوم لتحديد اتجاهاتهم.
-
دليلًا للطقس: كانوا يعرفون من خلال طلوع أو غروب نجم معين قدوم المطر أو حلول الحر أو البرد.
-
جزءًا من الموروث الشعري: فقد تغنّى الشعراء بالنجوم وربطوا بينها وبين الحب والفخر والحروب.
وفي الحاضر، لا يزال الفلكيون والزراعيون يستفيدون من هذه المعرفة، وإن كان ذلك عبر أدوات علمية حديثة مثل الأقمار الصناعية وأجهزة الرصد.
ثانيًا: منازل القمر والأنواء عند العرب
تقسيم العرب السنة إلى 28 منزلة قمرية هو من أعظم إنجازاتهم الفلكية. كل منزلة تمثل موقعًا معينًا للقمر بين النجوم، ويستمر تأثيرها 13 يومًا تقريبًا.
وكانوا يعتقدون أن طلوع النجم أو سقوطه يرافقه تغير في الطقس، لذا قالوا:
"إذا طلع النجم أو غرب، مطر الناس أو قلّ المطر".
هذه المنازل ساعدتهم على تحديد:
-
مواسم الأمطار.
-
أوقات البذر والحصاد.
-
أوقات تكاثر الحيوانات.
-
فترات السفر الآمنة.
ثالثًا: جدول المنازل ومواسمها عند العرب
إليك الجدول الموسوعي لمنازل القمر الـ 28، وما يرتبط بها من زراعة وحيوانات وتقلبات جوية:
رقم | المنزلة (النجم) | وقتها عند العرب | ما يُزرع أو يُحصد | الحيوانات والتكاثر | حالة الجو والأمطار |
---|---|---|---|---|---|
1 | الشرطان | بداية الربيع | بذر القمح والشعير | ولادة الأغنام | اعتدال الجو |
2 | البطين | ربيع | العدس والبقوليات | تكاثر الطيور | طقس معتدل |
3 | الثريا | ربيع (مايو تقريبًا) | غرس البطيخ والخيار | ولادة الماعز | أمطار ربيعية |
4 | الدبران | أواخر الربيع | حصاد القمح والشعير | فقس بيض الطيور | الحرارة ترتفع |
5 | الهقعة | بداية الصيف | السمسم والدخن | بداية تزاوج الإبل | الحر يشتد |
6 | الهنعة | صيف | حصاد الكروم | تكاثر الطيور | جفاف |
7 | الذراع | منتصف الصيف | حصاد التمور المبكرة | قلة التكاثر | رياح حارة |
8 | النثرة | منتصف الصيف | العنب والبطيخ | الطيور المهاجرة | حرارة شديدة |
9 | الطرف | صيف | السمسم والدخن | ركود | استمرار الجفاف |
10 | الجبهة | أواخر الصيف | التمور | نشاط الإبل | الحر يخف |
11 | الزبرة | نهاية الصيف | الخضار الشتوية المبكرة | ولادة الأغنام | اعتدال ليلي |
12 | الصرفة | خريف مبكر | بذر الشعير والقمح | خصوبة المواشي | أول البرد |
13 | العواء | خريف | الزيتون والتمر | ولادة المواشي | تقلبات |
14 | السماك | خريف | القمح | خصوبة الإبل | مطر خفيف |
15 | الغفر | خريف متأخر | العدس والحمص | الأسماك | أمطار متقطعة |
16 | الزبانا | بداية الشتاء | الزيتون | الذئاب | برودة ليلية |
17 | الإكليل | شتاء | القمح | ولادة الماعز | أمطار غزيرة |
18 | القلب | شتاء | الكراث والبصل | خصوبة الإبل | برد شديد |
19 | الشولة | ذروة الشتاء | الحبوب | ولادة الأغنام | صقيع وأمطار |
20 | النعائم | شتاء | البطيخ المبكر | الطيور العائدة | تقلب |
21 | البلدة | أواخر الشتاء | البقوليات | المواشي | اعتدال |
22 | سعد الذابح | بداية الربيع | نمو المحاصيل | الجمال | أمطار ربيعية |
23 | سعد بلع | ربيع | حصاد الشعير | الأسماك | اعتدال |
24 | سعد السعود | ربيع | الخضار الربيعية | الطيور | مراعٍ خضراء |
25 | سعد الأخبية | ربيع متأخر | التمر المبكر | الحيوانات البرية | دفء |
26 | المقدم | صيف مبكر | الذرة والسمسم | ولادة الإبل | بداية الحر |
27 | المؤخر | صيف | العنب | ركود | حرارة مرتفعة |
28 | الرشاء (الحوت) | أواخر الصيف | التمور المتأخرة | الطيور المهاجرة | اعتدال ليلي |
رابعًا: الزراعة وفق النجوم عند العرب
اعتمد العرب على هذا الجدول لتحديد:
-
مواسم البذر: القمح والشعير مع طلوع "الصرفة".
-
مواسم الحصاد: الشعير والقمح في "الدبران".
-
زراعة الخضروات: مع دخول "الإكليل" و"القلب".
-
التمور والعنب: في منازل الصيف مثل "الذراع" و"الجبهة".
وهكذا كانوا يحصلون على إنتاج وفير دون تقويم مكتوب.
خامسًا: الحيوانات وتكاثرها
-
الإبل: تكثر ولادتها في "المقدم" و"القلب".
-
الأغنام: في "الشرطان" و"الشولة".
-
الماعز: في "الثريا" و"الإكليل".
-
الطيور: تهاجر مع "النثرة" وتعود مع "النعائم".
-
الأسماك: تزداد وفرتها في "الغفر" و"سعد بلع".
سادسًا: تقلبات الجو والأمطار
-
الربيع: أمطار غزيرة واعتدال، ازدهار المراعي.
-
الصيف: حر شديد وجفاف، اعتماد على مخزون الماء.
-
الخريف: بداية البرد، أمطار متفرقة، موسم الزيتون.
-
الشتاء: صقيع وبرد قارس مع "الشولة"، أمطار قوية في "الإكليل".
سابعًا: دور النجوم في العصر الحديث
اليوم، ورغم وجود الأقمار الصناعية وتقارير الأرصاد، لا يزال الفلاحون والبدو يعتمدون على النجوم كمؤشر طبيعي. ويُدرَّس علم الأنواء في بعض الجامعات كموروث ثقافي وعلمي يجمع بين الفلك والزراعة.
كما أن علم الفلك الحديث أثبت دقة كثير من ملاحظات العرب، إذ أن منازل القمر تعكس فعلًا تغيرات موسمية مرتبطة بحركة الأرض حول الشمس.
لقد برع العرب في قراءة السماء، فجعلوا من النجوم تقويمًا زمنيًا وموسمًا زراعيًا ودليلًا مناخيًا. وما كان مجرد ملاحظات بسيطة عند البدو والرعاة، أصبح أساسًا لعلم الأنواء الذي ما زال حاضرًا حتى اليوم.
إن دور النجوم لم يقتصر على الماضي فقط، بل ما زال يذكّرنا أن الطبيعة كتاب مفتوح يحتاج فقط إلى عين راصدة وعقل متأمل.
تعليقات
إرسال تعليق