العنف في المدارس: أسبابه، أنواعه، آثاره، وطرق الوقاية الشاملة (دليل كامل 2025)
يُعتَبَر العنف المدرسي من الظواهر الخطيرة التي تُقَلّل من فاعلية العملية التعليمية وتُؤثّر على الصحة النفسية والجسدية للطلاب والمعلمين، بل وللمجتمع ككل. ويتناول هذا المقال مفهوم العنف المدرسي، أنواعه، أسبابه، مدى انتشاره — خصوصًا في العالم العربي — آثاره، استراتيجيات الوقاية، والتدخل. سنستند إلى دراسات عربية وأجنبية لضمان موثوقية المعلومات، وسنوفر مزيجًا من البيانات والإجراءات العملية.
تعريف العنف في المدارس
العنف المدرسي يشير إلى أي سلوك عدائي متعمَّد يحدث داخل أو حول المدرسة، سواء من طالب تجاه طالب آخر، أو من طالب تجاه المعلم، أو من المعلم تجاه الطالب، أو من جهات خارجية، بما في ذلك:
-
العنف الجسدي: ضرب، دفع، استخدام أسلحة، دهس، إلخ.
-
العنف اللفظي والنفسي: الإهانات، الشتائم، التهديد، الإذلال، التنمر الاجتماعي، التجاهل، السخرية.
-
العنف الجنسي: التحرش، الاستغلال، التعليقات الجنسية، اللمس غير المرغوب فيه، الانتهاكات.
-
العنف الرمزي أو السيبراني: استخدام وسائل التواصل أو الرسائل لنشر شائعات، تشويه السمعة، التنمر عن بعد.
-
العنف من المعلمين: العقاب القاسي الجسدي أو النفسي، السخرية، التجاهل، المعاملة غير الإنصاف.
أنواع العنف المدرسي
يمكن تقسيم العنف المدرسي إلى عدّة أنواع رئيسية:
النوع | الأمثلة | المميزــــات |
---|---|---|
العنف الجسدي | ضرب، صفع، ركلات، استخدام مواد ضارة | واضح الملاحظة، غالبًا له آثار جسدية فورية |
العنف اللفظي والنفسي | إهانات، تهديدات، التنمر، السخرية، العزل الاجتماعي | أقل وضوحًا من الجسدي، لكنه قد يكون مؤذِ للغاية على المدى الطويل |
العنف الجنسي | مضايقات، تحرش لفظي أو جسدي | حساس جدًا، غالبًاّ يُخفى أو لا يُبلَّغ عنه |
العنف السيبراني داخل المدرسة | رسائل مسيئة، مشاركة صور، شائعات إلكترونية | يمتدّ خارج أوقات الحصة، قد يكون دائمًا ومتعدد المنصات |
عنف المعلمين والتربويين | تأنيب مهين، عقاب مفرط، تمييز | يضر بثقة الطالب، العلاقة التربوية، ويؤثر على الجو المدرسي |
مدى الانتشار: إحصاءات عربية ودولية
عربية
-
في دول الخليج العربي، وجدت مراجعة منهجية شملت 16 دراسة أن معدّل التنمّر والعنف بين المراهقين يتراوح بين 12.6٪ إلى 83.28٪، مع أن التنمّر اللفظي هو الأكثر شيوعًا. (SpringerLink)
-
دراسة سعودية أظهرت أن حوالي 60٪ من طلاب المتوسط يتعرضون لأشكال مختلفة من العنف والاعتداءات اللفظية خلال حياتهم المدرسية. (Arab News)
-
في الإمارات، أُبلغ أن حوالي 1 من كل 8 تلاميذ يواجه إساءة أو عنفًا في المدرسة. نسبة الذكور أعلى من الإناث. (أريبيان بيزنس)
دولية
-
في مسح عبر سبع دول أفريقية (كِنيا، أوغندا، زامبيا، …) تم تقدير أن 12.1٪ إلى 53.9٪ من الذكور و12.1٪ إلى 44.6٪ من الإناث قد تعرضوا لفُرَص من العنف المدرسي الجسدي أو الجنسي خلال فترة الدراسة. (PubMed)
-
تقرير Verywellmind يشير إلى أن نحو 246 مليون طفل تقريبًا يتعرضون للعنف المدرسي كل سنة. (Verywell Mind)
أسباب العنف المدرسي
عدة عوامل تتداخل لتوليد بيئة يُمكِن أن ينمو فيها العنف في المدارس. من هذه العوامل:
-
العوامل الفردية
-
الشخصية العدائية أو انعدام المهارات الاجتماعية لدى بعض الطلاب.
-
تجربة العنف في المنزل أو من الأقران.
-
ضعف الثقة بالنفس والرغبة في إثبات الذات.
-
-
العوامل الأسرية
-
ضعف الرقابة الأبوية.
-
التوتر أو العنف داخل الأسرة.
-
المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
-
-
العوامل المدرسية والبيئية
-
نقص التوعية والتدريب للمعلمين حول الإدارة السليمة للسلوك.
-
ضبط أمني ضعيف داخل المدرسة والمناطق غير المراقبة (الممرات، الملاعب...)
-
أوقات فراغ غير منضبطة؛ نقص أنشطة ترفيهية وبُنى مناسبة للتفاعل الصحي.
-
أنظمة تأديبية غير عادلة أو لا تشجع على الحوار.
-
-
العوامل الثقافية والمجتمعية
-
الثقافة التي تُشرّع لإظهار العنف كرد فعل.
-
التسامح المجتمعي مع بعض أنواع العنف “الخفيف”.
-
تأثير وسائل الإعلام والعنف في التلفاز والألعاب.
-
-
الأبعاد النفسية
-
غياب الدعم النفسي للطلاب الذين يمرون بصعوبات.
-
الاكتئاب، القلق، الإحساس بالانعزال.
-
الآثار النفسية والتعليمية والاجتماعية للعنف في المدارس
العنف لا يؤذي الجسد فحسب، بل يترك أثرًا عميقًا، من هذه الآثار:
-
الأثر النفسي: زيادة معدلات القلق، الاكتئاب، اضطرابات النوم، انخفاض تقدير الذات، شعور بالخوف أو العار.
-
الأثر الأكاديمي: تراجع التحصيل، غياب متكرر، ضعف التركيز، إمكانية التسرب من المدرسة.
-
الأثر الاجتماعي: عزلة الطالب، فقدان الثقة بالآخرين، تأثير العلاقات الأسرية والاجتماعية.
-
الأثر على المعلمين والبيئة التعليمية: احتياج لمزيد من موارد الإدارة، الشعور بالتهديد والخوف، التأثير على جودة التعليم، والتوجيه المهني.
-
الأثر طويل الأمد: بعض البحوث تربط التعرض للعنف المدرسي بمشاكل الصحة النفسية في مراحل البلوغ، السلوكيات المضرة بالصحة، وحتى الانخراط في جرائم أو عنف لاحق.
مثلاً، دراسة ضخمة في الصين شملت حوالي 95,545 طالبًا وجدت أن من تعرض للتنمر بدرجات مختلفة كانت احتمالات إصابتهم بأزمات نفسية وسلوكية وقلق واضطراب ما بعد الصدمة أعلى بعدة مرات مقارنة بمن لم يتعرضوا. (arXiv)
تجارب عربية ودراسات ميدانية
-
دول الخليج: المراجعة المنهجية التي شملتها دراسات من ستّ دول خليجية بينت أن التنمّر اللفظي هو الأكثر انتشارًا، يليه التنمّر الجسدي، ثم الاجتماعي. وُجد أن الأماكن داخل المدرسة مثل الممرات، الملاعب، الحمامات تُعدّ “نقاط ساخنة” لوقوع الحوادث. (SpringerLink)
-
السعودية: دراسة محلية تقول إن ما لا يقلّ عن ثلاثة من كل خمسة طلاب متوسّطين تعرضوا لعنف أو اعتداء لفظي خلال حياتهم الدراسية. (Arab News)
-
الإمارات: دراسة تشير إلى أن حوالي 12.5٪ من الطلبة تعرضوا للعنف أو الإساءة، الذكور أكثر من الإناث، مع اقتراحات بتوعية المعلمين والأهالي للتعرف المبكر على العلامات. (أريبيان بيزنس)
استراتيجيات التدخل والوقاية
التدخل المبكر
-
توعية الطلاب والمعلمين والأهالي: ورش عمل، ندوات، برامج مناهج للتربية على السلام، احترام الآخر، التعاون.
-
تدريب المعلمين والكوادر التربوية على مهارات إدارة الصراع، الوساطة، المرونة النفسية، وكيفية التعامل مع السلوك العدائي بطرق غير تأديبية قاسية.
-
إعداد نظام للإبلاغ والردّ الفوري: وجود بروتوكولات واضحة للإبلاغ عن الحوادث، متابعة الإجراءات التأديبية والدعم النفسي.
التدخل المدرسي والسياسات
-
برامج مدرسية شاملة للوقاية من العنف: مثل التي تقدم لجميع الطلاب وليس فقط الفئات المعرضة للخطر. الأبحاث تبين أنها تُقلّل من السلوك العدائي والعنف بشكل ملحوظ. (PubMed)
-
إشراف فعّال على الأماكن المفتوحة بالمدرسة: الممرات، الملاعب، الحمامات — يجب أن تكون مشاهدة ومراقبة فعّالة.
-
أنشطة لا صفية وبرامج لبناء الشخصية: الرياضة، الفنون، الأندية الطلابية تساعد على إشغال الأوقات الفراغية بطريقة إيجابية وتطوير المهارات الاجتماعية.
الدعم النفسي والاجتماعي
-
تقديم دعم نفسي للضحايا، معالجة الصدمات، بناء الثقة بالنفس.
-
إشراك الأخصائيين الاجتماعيين وعلم النفس المدرسي.
-
إشراك الأهل في عملية العلاج والدعم.
السياسات الوطنية والقوانين
-
وضع تشريعات تحظّر العنف المدرسي بكل أشكاله، وتحدد العقوبات، وتحمي حقوق الطالب والمعلم على حد سواء.
-
إشراك وزارات التعليم، الداخلية، الصحة، العمل على برامج وطنية لمكافحة العنف.
-
مراقبة وتقييم السياسات من خلال بحوث دورية وتحديث الإجراءات.
مراجعة لأبحاث حول فعالية البرامج
-
تقرير What do we know about preventing school violence? هو مراجعة منهجية لأكثر من مراجعة تبحث في تدخلات تقلّل أنواع العنف الأربعة: العنف بين الأقران، العقاب الجسدي، عنف الطالب تجاه المعلم، عنف المعلم تجاه الطالب. ووجد أن هناك دلائل قوية على أن العديد من البرامج المدرسية تُقلّل من العنف عند تنفيذها بشكل شامل ومدعوم. (PubMed)
-
كما أن برامج “universal school-based programs” التي تُطَبَّق على جميع الطلاب في المدرسة أو الصف، سواء في مناطق خطِرة أو غير خطِرة، أظهرت نتائج إيجابية في خفض السلوك العدائي. (PubMed)
التحديات التي تواجه مكافحة العنف في المدارس
-
نقص الوعي والتدريب في بعض المناطق، خصوصًا في المدارس النامية.
-
الثقافة التي تستسلم “لكيفية التعامل بالعنف” كحل للنزاع أو التأديب.
-
ضعف التمويل أو الموارد للدعم النفسي والتوعوي.
-
مقاومة من بعض المعلمين أو الأهالي للتغييرات في أساليب التأديب التقليدية.
-
عدم وجود بيانات دقيقة أو موحدة لقياس العنف أو ملاحظة الفروقات بين المناطق أو بين الجنسين.
خطوات مقترحة لتطبيق حل فعّال في بلد أو مدرسة
-
بدء تقييم ميداني: جمع بيانات حول أنواع العنف الشائعة، أماكنها، توقيتها، من هم الضحايا والمتنمرون.
-
إشراك كل الأطراف: إدارة المدرسة، المعلمون، الطلاب، الأهالي، الأخصائيون.
-
وضع سياسة مدرسية واضحة: تحديد ما هو مقبول وما هو غير مقبول، ومعايير التأديب، آلية الإبلاغ، الحماية للضحايا.
-
التدريب المستمر: للمعلمين على استراتيجيات إدارة السلوك، بناء العلاقات الإيجابية، وآليات التعامل عند وقوع حادث.
-
دعم نفسي واجتماعي: وجود مرشد نفسي أو اجتماعي في المدرسة، جلسات جماعية أو فردية للضحايا، برامج تعزيز الاستقرار النفسي.
-
أنشطة بديلة: لخلق بيئة مدرسية إيجابية تشمل الأنشطة الرياضية، الثقافية، الفنية، التي تساعد الطلاب على إبراز طاقاتهم بطرق غير عدوانية.
-
مراقبة وتقييم: تقييم الإجراءات المتبعة بانتظام، مراجعة السياسات، تعديلها بناءً على نتائج الميدان.
العنف في المدارس ليس مشكلة محليّة فقط، بل تهديد عالمي للتعليم والتنمية النفسية والاجتماعية. من الضروري أن تُوجَّه الجهود نحو الوقاية المبكرة والتدخل الشامل — تعليم وتوعية، سياسات واضحة، دعم نفسي، انخراط الأهل والمعلمين. إن تجاوز هذه الظاهرة يُعدّ خطوة أساسية نحو بناء بيئة تعليمية آمنة تدعم نمو الأجيال بما يُحقّق تطور المجتمعات.
المصادر
-
Prevalence of bullying and violence among adolescents in Arab Gulf countries: a systematic review — Journal of Public Health، 2025. (SpringerLink)
-
School Violence: Types, Causes, Impact, and Prevention — Verywellmind. (Verywell Mind)
-
What do we know about preventing school violence? A systematic review of systematic reviews — PubMed. (PubMed)
-
Universal school-based programs to prevent violent behavior — Task Force on Community Preventive Services. (PubMed)
-
Prevalence of school related violence in seven countries: A cross-sectional survey — VACS studies. (PubMed)
-
School Violence, Its Causes, Methods Of Treatment And Prevention — Journal for ReAttach Therapy and Developmental Diversities (الدكتور بونكونوس عائشة). (jrtdd.com)
-
دراسات محلية في السعودية والإمارات. (Arab News)
عنف في المدارس، أنواع العنف المدرسي، آثار العنف على الطلاب، الوقاية من العنف المدرسي، أبحاث عن العنف المدرسي في الوطن العربي، سياسات مكافحة العنف في المدارس.
0 Comments: