العلاقات السامة في بيئة العمل وكيفية التعامل معها
بيئة العمل تُفترض أن تكون مكانًا للنمو المهني، التعاون، وتحقيق الأهداف. لكن الكثير من الموظفين يواجهون ما يُعرف بـ البيئة السامة أو العلاقات السامة في العمل، حيث تتولد ضغوط نفسية وعلاقات مؤذية تُؤثر سلبًا على الأداء، الصحة النفسية، والسعادة الشخصية. تتسم العلاقات السامة في العمل بسلوكيات مثل التنمّر، المحسوبية، التحقير، ضعف التواصل، وعدم الاحترام المتبادل.
المقالة هذه تهدف إلى:
-
تعريف العلاقات السامة في بيئة العمل
-
تقييم مدى انتشارها إحصائيًا
-
تحليل الأسباب والعوامل التي تُسهّل ظهورها
-
استعراض الآثار والتأثيرات على الموظف والمؤسسة
-
اقتراح استراتيجيات للتعامل والوقاية
-
توصيات عملية للأفراد والمؤسسات
تعريف العلاقات السامة في العمل
العلاقات السامة في بيئة العمل تُشير إلى مجموعة من السلوكيات التي تعرّض الموظف للإساءة، سواء جسديًا أو نفسيًا أو عاطفيًا، أو تُضعفه أو تحطّم معنوياته، أو تجعله يتجنّب المواقف، تصدّقه، يجعله يشعر بأنه غير مهم أو مُراقَب أو محكوم عليه. بعض الأمثلة:
-
التنمّر (bullying) والتحقير أمام الزملاء أو المدير
-
المحسوبية أو التفرقة الظالمة
-
الاتهام المستمر، النقد غير البناء
-
التلاعب، التهديد، أو الابتزاز النفسي
-
التواصل السيئ، الغموض، الصمت المتعمد
-
تحميل عبء غير عادل، مواعيد نهائية متعسفة، ضغط العمل الزائد
مدى الانتشار الإحصائي
قبل أن نبدأ في تحليل العوامل والآثار، من المهم أن نعرف مدى هذه الظاهرة من خلال أرقام حديثة:
-
تقرير iHire Toxic Workplace Trends Report 2025 أشار إلى أن نحو 74.9% من الموظفين في الولايات المتحدة قد عملوا في أماكن عمل يُصنَّفونها بأنها سامة. (ihirechefs.com)
-
من نفس التقرير، 53.7% من هؤلاء الموظفين استقالوا من عملهم بسبب البيئة السامة. (staffingindustry.com)
-
العاملون يشيرون إلى أن قيادة ضعيفة أو سيئة الإدارة هي السبب الأول في خلق بيئة سامة (حوالي 78.7%). (ihirechefs.com)
-
الاتصال السيئ Poor communication يأتي في المرتبة الثانية كمسبب للبيئة السامة (حوالي 69.8%). (ihirechefs.com)
-
دراسة حول “آثار البيئة السامة على المشاركة المهنية (Employee Engagement)” في الصين أكدت أن التوتر، المضايقة، العزل داخل فريق العمل تؤثر على الأداء وتقلل الانخراط في العمل. (PubMed)
لماذا تحدث العلاقات السامة في العمل؟
لفهم كيفية الوقوع في هذه العلاقات ولماذا تستمر، هذه بعض العوامل التي تُسهّل ظهورها:
-
أسلوب القيادة والإدارة
-
القادة السامون أو المسيطرون إنما يخلقون جوًا من الخوف والمراقبة.
-
مديرون لا يتحمّلون المسؤولية، يظهرون المحسوبية، يفضلون بعض الموظفين على غيرهم.
-
ضعف المهارات القيادية في التواصل، الدعم، التغذية الراجعة.
-
-
ثقافة المؤسسات
-
مؤسسات لا تضع سياسات واضحة للتعامل مع السلوك السيِّء، التنمّر، التحرش.
-
غياب الشفافية والمساءلة.
-
ثقافة العمل التي تُشجّع المنافسة المفرطة أو الضغوط العالية دون مراعاة صحة الموظفين.
-
-
التواصل السيء
-
رسائل متضاربة من الإدارة، غياب التواصل المباشر أو الواضح.
-
عدم وضوح المهام أو المسؤوليات، أو تغييرات مفاجئة في التوقعات.
-
-
الضغط والمهام المبالغ بها
-
عبء عمل غير متناسب مع عدد الموظفين أو الإمكانيات.
-
مواعيد نهائية قصيرة أو غير واقعية.
-
الساعات الطويلة، العمل خارج المواعيد الرسمية، طلبات زائدة دون تعويض.
-
-
قلة الدعم التنظيمي
-
عدم وجود دعم نفسي أو مادي للعاملين في أوقات الضغط.
-
ضعف نظم التقييم، عدم وجود تحسينات أو مكافآت عند الأداء الجيد.
-
تجاهل الشكاوى أو التأخر في التعامل معها.
-
-
العوامل الشخصية
-
شخصية الموظف التي قد تُحب السيطرة أو الخشية من المواجهة.
-
توقعات غير واقعية من الوظيفة أو زميل أو المدير.
-
ضعف الخبرة أو المهارات في إدارة النزاعات أو التحديات.
-
الآثار السلبية للعلاقات السامة في بيئة العمل
تأثير هذه العلاقات لا يقتصر على جانب واحد، بل يمتد إلى عدة مستويات:
أولًا: على الفرد (الموظف)
-
الصحة النفسية والعاطفية: زيادة معدلات التوتر، القلق، الاكتئاب، الشعور بعدم الأمان، تدني احترام الذات.
-
الصحة الجسدية: مشاكل النوم، الصداع المزمن، اضطرابات المعدة، ارتفاع ضغط الدم، التعب المزمن.
-
الأداء المهني: ضعف التركيز، الهياج، نقص الإنتاجية، الانسحاب، التأخر في أداء المهام.
-
الرضا الوظيفي: انخفاض الرضا الوظيفي، مشاعر الكره أو عدم الانتماء، رغبة قوية في ترك العمل.
ثانيًا: على الفريق والمؤسسة
-
ارتفاع معدلات الدوران الوظيفي (turnover) بعدم قدرة الموظفين على تحمل الموقف. (staffingindustry.com)
-
انخفاض المشاركة Engagement في العمل والتزام الموظفين. (PubMed)
-
تراجع الأداء العام والإنتاجية. دراسة في باكستان بينت أن المشاريع المتضررة من بيئة عمل سامة غالبًا ما تفشل بمعايير الوقت والجودة بسبب التوتر والضغط. (Taylor & Francis Online)
-
غياب الابتكار والمبادرة لأن الموظفين لا يشعرون بالأمان ليعبّروا عن أفكارهم.
-
السمعة المؤسسية تتضرر، ويصبح جذب الموظفين الجيدين صعبًا.
كيف تعرف أن مكان العمل سام؟ (علامات وتحذيرات)
لمن يعملون أو يفكّرون في التوظيف، هذه بعض العلامات التي تدل على أن بيئة العمل سامة:
-
الإدارة لا تستمع إلى الموظفين ولا تأخذ ملاحظاتهم على محمل الجد.
-
الشعور الدائم بالتوتر والضغط غير المبرر.
-
المنافسة المفرطة وغير الصحية بين الزملاء.
-
التنمّر، التحقير، النقد الدائم.
-
المحسوبية أو الظلم في توزيع المهام أو التقدير.
-
غياب الشفافية في الأمور الإدارية مثل الترقية والأجور.
-
التوازن بين العمل والحياة شبه منعدم: العمل خارج أوقات الدوام الرسمي بشكل مستمر.
استراتيجيات التعامل مع العلاقات السامة في العمل
لكلٍّ من الموظفين والمؤسسات دور مهم في معالجة هذه العلاقات والحدّ من آثارها.
استراتيجيات للموظف
-
التعرف والإقرار بالمشكلة
-
أول خطوة هي الاعتراف بأن ما تواجهه ليس الشخص وحده يمرّ به، وأن السلوك السام موجود ويؤذي.
-
تحديد السلوكيات المحددة التي تزعجك أو تؤثر على صحتك النفسية.
-
-
وضع حدود واضحة
-
تعلم أن تقول “لا” عندما يُطلب منك عبء عمل غير منطقي أو طلبات شخصية لا تدخل ضمن المهام الوظيفية.
-
تحديد أوقات للراحة وعدم الرد على رسائل العمل خارج وقت الدوام إن أمكن.
-
-
التوثيق
-
تسجيل المحادثات، التصرفات المسيئة، وأوقات حدوثها، مع شهود إن وُجدوا. هذا مفيد إن رغبت في رفع شكوى رسمية أو التحدث مع HR.
-
-
البحث عن دعم داخلي أو خارجي
-
التحدث مع الزملاء الموثوق بهم للتنفيس أو لمشاركة الخبرات.
-
استخدام نظام الموارد البشرية HR، الموجهة النفسية في الشركة إن وُجدت.
-
في حالات خطرة، التفكير في الدعم الخارجي مثل المستشار النفسي.
-
-
تحسين الذات
-
تنمية المهارات في التواصل، الإدارة الذاتية، إدارة الغضب.
-
ممارسة أنشطة تخفّف التوتر مثل الرياضة، التأمل، الهوايات.
-
-
إمكانية ترك الوظيفة
-
إن بقيت العلاقة السامة بدون تغيير، وقد تجاوز التأثير حد التحمل، قد يكون قرار الانتقال لبيئة عمل صحية خيارًا أفضل للصحة النفسية والمهنية.
-
استراتيجيات للمؤسسات
-
قيادة مسؤولة وتدريب المديرين
-
تدريب القادة والمديرين على مهارات القيادة التي تشمل التعاطف، الإنصاف، التواصل المفتوح.
-
وضع سياسات واضحة لمنع السلوك التحقيري والتنمر.
-
-
خلق ثقافة مؤسسية صحية
-
تشجيع الشفافية والمسؤولية.
-
تحفيز التعاون لا المنافسة المدمّرة.
-
تقديم آليات موثوقة للتبليغ عن السلوكيات السامة دون خوف من العقاب أو التمييز.
-
-
الدعم النفسي والرفاهية للموظفين
-
برامج دعم الصحة النفسية: استشارات، ورش عمل، الدعم الجماعي.
-
تعزيز التوازن بين الحياة والعمل: ساعات مرنة، العمل عن بُعد إن ممكن، أيام راحة كافية.
-
-
مراقبة وتقييم بيئة العمل
-
استطلاعات الرأي الداخلية المنتظمة لمعرفة مدى راحة الموظفين والمشكلات.
-
مؤشرات الأداء التنظيمي التي تشمل مؤشر “السمَميّة” أو “الرضا الوظيفي”.
-
مراجعة سياسات الشركة وتحديثها عند الضرورة.
-
-
عقوبات واضحة على السلوك الضار
-
وجود نظام تأديبي عادل وشفاف للسلوكيات المرفوضة.
-
معاقبة الانتهاكات وعدم السماح بأن تمرّ مرور الكرام.
-
أمثلة واقعية ودراسات حالة
-
دراسة China SMEs (المشاريع الصغيرة والمتوسطة) وجدت أن البيئة السامة تؤدي إلى انخفاض كبير في المشاركة الوظيفية (employee engagement)، عبر تأثير سلبي مباشر وأيضًا غير مباشر عبر ضعف الدعم التنظيمي والصحة النفسية. (PubMed)
-
في باكستان، دراسة مركزة على مشاريع الطاقة المتجددة استكشفت كيف البيئة السامة ترفع التوتر وتقلل نجاح المشروع، لكن الدعم التنظيمي قلّل من التأثير السلبي إلى حدّ ما. (Taylor & Francis Online)
-
تقرير iHire ــ الولايات المتحدة 2025: نسبة كبيرة من الموظفين الذين عاشوا في أماكن عمل سامة غادروا وظيفتهم بسبب ذلك، مما يدل على أن الأثر يمتد ليتضمن تكلفة بشرية واقتصادية مؤسسية. (staffingindustry.com)
التأثير الاجتماعي والاقتصادي الأوسع
العلاقات السامة في العمل ليست فقط مشكلة فردية بل تؤثر على مستوى المجتمع والمؤسسات:
-
تكاليف الصحة النفسية والطبية عالية: الإجهاد المزمن والاكتئاب من بيئات العمل السامة يُسهم في استهلاك خدمات الرعاية الصحية.
-
انخفاض الإنتاجية على مستوى الاقتصاد، لأن الموظفين غير المنتجين بسبب الإرهاق أو الانفصال النفسي.
-
ارتفاع معدلات الغياب (absenteeism) والتأخر أو ترك العمل، مما يؤدي لتكلفة بديلة.
-
السمعة المؤسسية: الشركات المعروفة ببيئات عمل سامة تجد صعوبة في جذب الكفاءات.
كيف تؤثر السميّة في العمل على السعادة وجودة الحياة؟
-
تنعكس العلاقات السامة في العمل على الحالة النفسية الشخصية: تُمكّن من الشعور بالذنب، الخوف، القلق، وربما الشعور بأن الإنسان بلا قيمة مهنية.
-
تؤثر على العلاقات الشخصية خارج العمل: الأجهزة النفسية المستنزفة قد تجعلك أقل صبرًا مع الأهل أو الأصدقاء، أو أن تنقل الضغوط للعمل إلى المنزل.
-
قد تُقلّل من فرص النمو والتقدم المهني: الموظف قد يتجنّب المخاطرة أو التعبير عن أفكاره خوفًا من الانتقام أو العقاب.
التوصيات العملية
لتحسين الوضع، هذه توصيات موجهة:
الفئة | التوصية |
---|---|
الموظف الفردي | تقييم بيئة العمل بانتظام، وضع حدود شخصية، البحث عن الدعم (زملاء، مرشد، مستشار نفسي) |
الإدارة والمتوسطون | تدريب على القيادة الإيجابية، المهارات العاطفية، التواصل، حل النزاعات |
المؤسسة | وضع سياسات واضحة للتبليغ والعقاب، تعزيز ثقافة الشفافية والاحترام، برامج رفاهية الموظف |
الحكومات والقطاع القانوني | تشريعات تحمي حقوق الموظفين من التنمّر والتحرش، ضمان حق الراحة وساعات العمل humane |
العلاقات السامة في بيئة العمل ليست مجرد مشكلة مزعجة فحسب، بل هي ورم يصيب أداء الموظف والمؤسسة، الصحة النفسية والجسدية، وجودة الحياة. ومع ذلك، الفهم الدقيق لها والوعي بالعلامات، ثم اتخاذ خطوات عملية من قِبَل الموظفين والإدارة، يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. يجب أن تحقق المؤسسات بيئات عمل تُشجّع الاحترام، الدعم، والعدالة، لأن ذلك لا ينعكس فقط على الأداء وإنما على الاستدامة والاستقرار المهني.
المصادر:
iHire Toxic Workplace Trends Report 2025. (ihirechefs.com)
-
How Toxic Workplace Environment Effects the Employee Engagement: The Mediating Role of Organizational Support and Employee Well-being (الصين). (PubMed)
-
Exploring the Relationships Between a Toxic Workplace Environment, Workplace Stress, and Project Success in باكستان. (Taylor & Francis Online)
-
WorkNest survey: نسبة عالية من السلوكيات السامة لا تُعالج. (WorkNest)
-
Toxic Workplace Culture: Causes and Consequences (دراسة إندونيسيا). (thejoas.com)
-
Toxic Workplace, Mental Health and Employee Well-being in الشركات العراقية بعد كوفيد-19. (e-jabt.org)
0 Comments: