فهم النمو الوجداني عند المراهقين: دراسة شاملة في التربية والنفس

فهم النمو الوجداني عند المراهقين: دراسة شاملة في التربية والنفس

فهم النمو الوجداني عند المراهقين: دراسة شاملة في التربية والنفس

ماهو النمو الوجداني



مرحلة المراهقة تمثّل نقطة تحوّل أساسية في حياة الإنسان؛ فهي تزامن بين التغيرات الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتكون مصحوبة بتحولات وجدانية عميقة. النمو الوجداني (أو الانفعالي / العاطفي) يقصد به كيف يختبر الشاب أو الشابة مشاعره، يعبّر عنها، يدركها، ويتعلّم كيف يتحكّم فيها، وكيف تؤثر على سلوكه وهويته وعلاقاته. هذا النوع من النمو يُعدّ ضروريًا لبناء الذات، وتعزيز التفاعل الاجتماعي، والمساهمة في قرارات حياتية مسؤولة.

في هذه المقالة، سنقدّم:

  1. تعريفًا للنمو الوجداني.

  2. مراحل النمو الانفعالي أو الوجداني في المراهقة.

  3. العوامل التي تؤثر عليه.

  4. التحديات والمشكلات التي قد تواجه المراهقين في هذا الجانب.

  5. استراتيجيات وأسس لدعم النمو الوجداني.

  6. أهمية النمو الوجداني للرشد والنضج الاجتماعي.

  7. الخاتمة.

تعريف النمو الوجداني

النمو الوجداني يُشير إلى التطور في القدرة على:

  • الإحساس بالمشاعر: أن يكون المراهق واعيًا بما يشعر به — مثلاً الحزن، الفرح، الغضب، الخوف، الحيرة، الحب، الكراهية وغيرها.

  • الفهم العاطفي: تفسير هذه المشاعر، الاستدلال على أسبابها وعواقبها، التمييز بين المشاعر البسيطة والمعقّدة.

  • التعبير عنها بطريقة ملائمة: معرفة كيف ومتى ومع من يعبر عن مشاعره بطريقة صحيحة ومتوازنة.

  • إدارة الانفعالات: التحكم في استجابات المشاعر، تقليل التأثير الضار للمشاعر السلبية، الاستفادة من المشاعر الإيجابية.

  • التعاطف مع الآخرين: القدرة على أن يفهم المراهق مشاعر الآخرين، أن يشعر بها جزئيًا، وأن يتصرّف بناءً على ذلك.

المصادر الأجنبية تشدّد أن النمو الوجداني يتضمّن أيضًا اكتساب المهارات الاجتماعية والعلاقات، والتكيّف مع التغيرات التي تصاحب المراهقة من ضغوط ومطالب بيئية. (Opa)

مراحل النمو الوجداني خلال المراهقة

يُقسّم العديد من علماء النفس المراهقة إلى مراحل فرعية، ولكلّ منها سمات وجدانية مميزة:

المرحلة التقريب الزمني السمات الوجدانية النموذجية
المراهقة المبكرة تقريبًا من 11-13 سنة (قد تختلف حسب الجنس والثقافة) تقلبات مزاجية شديده، الحساسية نحو النقد، الوعي الجسدي، الخجل أو الانطواء، البحث عن القبول بين الأقران. يبدأ المراهقون يشعرون بالمشاعر لكن قد يفتقرون إلى المهارات لإدارتها بنضج. (Encyclopedia Britannica)
المراهقة الوسطى تقريبًا من 14-17 سنة زيادة في الوعي الذاتي، النقد الداخلي، الأسئلة الوجودية أو الهوية، الاستقلالية، تداخل المشاعر المعقدة (الإعجاب، الغيرة، الخوف، الحيرة)، المحاولات الأولى في اتخاذ قرارات ذاتية. (أنا حوا)
المراهقة المتأخرة تقريبًا من 18-21 أو ما بعد حسب السياق استقرار أكبر نسبيًا في الوضع العاطفي، قدرات أفضل لإدارة الضغوط، وعي أدقّ بالجذور العاطفية والسلوك، تنمية القدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة، مزيد من النضج في العلاقات والعواطف. (أنا حوا)

العوامل المؤثرة في النمو الوجداني

هناك عدة عوامل تتفاعل مع بعضها بعضًا لتشكيل النمو الوجداني عند المراهق:

  1. العوامل البيولوجية والهرمونية
    خلال المراهقة تحدث تغييرات هرمونية جسدية وجينية، تؤثر على المزاج والطاقة وسرعة الانفعال. زيادة هرمونات مثل الأندروجينات والإستروجين تؤثر على المزاج والحساسية العاطفية. (Opa)

  2. التطور العقلي والمعرفي
    ينمو التفكير المجرد والقدرة على التحليل والتخطيط والمستقبل. هذا يسمح بأن يكون المراهق أكثر قدرة على فهم مشاعر معقدة، وربطها بماضٍ ومستقبل، والتنبؤ بنتائج الأفعال. (Encyclopedia Britannica)

  3. التربية والعائلة
    نمط التربية، وجود الدعم العاطفي، الاستجابة لاحتياجات المراهق، تواصل الآباء، القيم المنزليّة كلها تؤثر كثيرًا. يُساعد الجوّ الأسري الداعم في بناء الثقة والهوية العاطفية. (مجلة الإندونيسية للعلوم الزراعية)

  4. الأقران والعلاقات الاجتماعية
    أصدقاء المراهقة يلعبون دورًا مركزيًا. القبول أو الرفض من المجموعة، طبيعة الصداقات، التأثير الاجتماعي، كلها عوامل قوية. العلاقة مع الأقران يمكن أن تُشعر الشخص بدعم أو ضغط. (Encyclopedia Britannica)

  5. البيئة التعليمية والمدرسة
    الأداء المدرسي، التقدير، التحديات الأكاديمية، الأساتذة، الضغط المدرسي أو التنافس، كلها تؤثر على التوازن العاطفي. (Opa)

  6. الثقافة والمعتقدات الاجتماعية والدينية
    القيم الثقافية والدينية توجه المراهق في كيفية التعبير عن المشاعر وما يُعتبر مقبولاً أو مرفوضاً، وأيضًا في كيفية تعامل المجتمع مع المتغيرات العاطفية والمشكلات النفسية. الدراسات العربية أظهرت أن الموازنة بين القيم الأسرية والدينية تؤثر على النضج الأخلاقي والعاطفي. (مجلات الجامعة الإسلامية)

  7. التجارب الشخصية والصدمات النفسية
    التجارب الصعبة، الفقدان، التعرض للعنف، التنمّر، التغييرات الكبيرة (انتقال، طلاق، مرضٌ في الأسرة) قد تعيق النمو الوجداني وتجعل التحكم بالمشاعر أو الثقة في الذات أكثر تحدياً. هذه العوامل يمكن أن تترك أثرًا طويل الأمد.

التحديات والمشكلات المرتبطة بالنمو الوجداني

فيما يلي أهم التحديات التي قد تواجه المراهق في نموّه الوجداني:

  • تقلبات المزاج الشديدة: فترات من الفرحة مع انتقال سريع إلى الحزن أو الغضب.

  • الضغط النفسي والتوتر: من المدرسة، الأقران، التوقعات الاجتماعية أو الأُسَرية.

  • عدم القدرة على التعبير الملائم عن المشاعر: قد يلجأ المراهق إلى الانطواء أو الانسحاب أو التّصرف بنمط عدائي.

  • الهوية والشك الذاتي: “من أنا؟”، “ما قيمتي؟”، الشعور بالانفصام بين الصورة الذاتية والمظهر الخارجي.

  • خوف أو قلق اجتماعي: خاصة في العلاقات الرومانسية أو التفاعل مع الجنس الآخر، أو التقييم الاجتماعي.

  • عجز في إدارة الضغوط أو الضغوط العاطفية مما يؤدي أحيانًا إلى الاكتئاب، القلق، أو سلوكيات تحتاج تدخلًا.

  • التأثر بالوسائط الاجتماعية والإعلام: الصور المثالية، المقارنات، التنمّر الإلكتروني، تلقي الرسائل التي تضع معايير غير واقعية.

استراتيجيات وأسس لدعم النمو الوجداني

لكي يكون النمو الوجداني ناجحًا ومتكاملًا، لا بد من دعم من الأسرة والمدرسة والمجتمع. إليك بعض الاستراتيجيات:

  1. التوعية والتثقيف العاطفي
    تعليم المراهق ما هي المشاعر المختلفة، كيف يتعرف عليها، كيف يختار كيف يتعامل معها. يمكن أن يكون من خلال برامج في المدرسة أو ورش عمل نفسية.

  2. التواصل المفتوح والداعم من الأهل
    أن يشعر المراهق أن آذانًا صاغية دون حكم مسبق. تشجيع الحوار عن المشاعر، الإنصات الفعلي، تجنب الانتقادات اللاذعة.

  3. تعليم مهارات إدارة الانفعالات
    مثل تقنيات التنفس العميق، التأمل، التعبير الكتابي، النشاط البدني، ممارسة الهوايات.

  4. التعاطف والنماذج الإيجابية
    وجود أشخاص يكبرون المراهق ذاتيًا وأخلاقيًا يُظهرون كيف يتعاملون مع الانفعالات المختلفة.

  5. دعم الأقران
    تشجيع الصداقات الصحية، المجموعات التي تدعم التعبير العاطفي الصحي، أن يكون الأصدقاء مصدر دعم وليس ضغط.

  6. المؤسسات التربوية والنفسية
    المدارس والمربون يمكن أن يقدموا برامج صحة نفسية، استشارات، بيئات آمنة للتعبير.

  7. تقييم وطلب المساعدة عند الحاجة
    إذا ظهرت علامات مثل الحزن المستمر، الانسحاب الشديد، الأفكار الانتحارية، يجب استشارة مختص في الصحة النفسية.

أهمية النمو الوجداني للرشد والنضج الاجتماعي

  • يساعد المراهق على بناء هوية مستقلة واعتمادها على الذات بطريقة صحية.

  • يقوّي العلاقات الاجتماعية: مع الأهل، الأقران، شركاء الحياة فيما بعد.

  • يُحسّن الأداء الأكاديمي والمهني من خلال استقرار عاطفي وقدرة على التركيز والتحفيز.

  • يساهم في الصحة النفسية العامة، تقليل المخاطر مثل القلق والاكتئاب والانحراف السلوكي.

  • يعزّز العدالة والتعاطف والضمير الأخلاقي؛ فالمراهق المتزن عاطفيًا يكون أكثر قدرة على تقدير مشاعر الآخرين واتخاذ قرارات أخلاقية.

دراسات

  • تقارير من وزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية تتناول كيفية تطور النمو الوجداني والعوامل المؤثرة عليه. (Opa)

  • موسوعات مثل بريتانيكا تُبيّن كيف أن التفكير المجرد وزيادة التجارب الاجتماعية تؤدي إلى ارتفاع في المشاعر المعقّدة مثل الغيرة والقلق والحرج. (Encyclopedia Britannica)

  • دراسة عربية بعنوان “الذكاء الوجداني وعلاقته بنمو الحكم الخلقي لدى المراهقات بمدينة الرياض” تعرض العلاقة بين البُعد الانفعالي والتطور الأخلاقي. (مجلة الأزهر للتربية)

  • بحث عن العوامل المؤثرة في النمو الاجتماعي-العاطفي للأطفال والمراهقين في أندونيسيا يعرض مراجعة منهجية لأبحاث عديدة توضح كيف أنّ البيئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية تؤثر بشكل كبير. (مجلة الإندونيسية للعلوم الزراعية

النمو الوجداني مرحلة محورية في حياة المراهق، فهي تشكّل الأساس الذي تُبنى عليه الحياة النفسية والاجتماعية فيما بعد. بفهم أفضل للعوامل المؤثرة، والمراحل التي يمرّ بها المراهق، والتحديات التي قد تواجهه، يمكن للآباء والمعلمين والمجتمع أن يدعموا هذا النموّ ليكون صحّيًا ومتوازنًا. من المهمّ أن يُعطى المراهق الفرصة ليعبّر عن مشاعره، أن يُخطئ ويتعلّم من أخطائه، وأن يشعر بالدعم والتوجيه دون إدانة أو إهمال. النمو الوجداني لا يعني انعدام الصراع، بل يعني القدرة على المرور به بنضج ومسؤولية.

المصادر

إليك بعض المصادر العربية والأجنبية التي استُند إليها:

  • HHS Office of Population Affairs, "Emotional Development – Adolescence" (مصدر أجنبي) (Opa)

  • Encyclopaedia Britannica, “Emotional development – Adolescence” (Encyclopedia Britannica)

  • دراسة عربية: "الذكاء الوجداني وعلاقته بنمو الحكم الخلقي لدى المراهقات بمدينة الرياض" (مجلة الأزهر للتربية)

  • دراسة عربية: "العوامل المؤثرة في النمو الاجتماعي-العاطفي لدى الأطفال والمراهقين: مراجعة منهجية" (دراسة إندونيسية منشورة) (مجلة الإندونيسية للعلوم الزراعية)

المقال السابق
المقال التالي

كُتب بواسطة:

0 Comments: