الفراسة عند العرب وغيرهم من الشعوب: قراءة الوجوه وسرّ العقول

الفراسة عند العرب وغيرهم من الشعوب: قراءة الوجوه وسرّ العقول

 

الفراسة عند العرب وغيرهم من الشعوب: قراءة الوجوه وسرّ العقول


لغة الوجة عند العرب


تُعد الفراسة من أقدم العلوم الإنسانية التي اهتم بها الناس لفهم الشخصيات واكتشاف ما تخفيه النفوس. وهي القدرة على استنتاج الطباع والصفات الداخلية من المظهر الخارجي، مثل ملامح الوجه، تعبيرات العينين، ولغة الجسد.

وقد اشتهرت الفراسة بشكل كبير عند العرب، حتى أصبحت جزءاً من تراثهم وثقافتهم، وانتقلت فيما بعد إلى شعوب أخرى طوّرت هذا العلم بطرق مختلفة.

في هذا المقال سنتعرف على الفراسة عند العرب، وكيف نظر إليها غيرهم من الشعوب، وأبرز الاستخدامات القديمة والحديثة لها.

ما هي الفراسة؟

الفراسة لغةً تعني الحِذق والمهارة والفطنة، واصطلاحاً هي:

علم يُعنى بقراءة الملامح والسلوكيات الخارجية للشخص من أجل استنتاج سماته النفسية أو نواياه الداخلية.

وقد ارتبطت الفراسة كثيراً بعلم الطبع والمزاج في الحضارات القديمة، ثم تطورت لتصبح مزيجاً من الملاحظة الدقيقة والخبرة الإنسانية.

الفراسة عند العرب

1. مكانة الفراسة في التراث العربي

  • اهتم العرب القدماء بالفراسة اهتماماً كبيراً، خاصة في عصور البداوة والتنقل حيث كانوا بحاجة إلى معرفة نوايا الغرباء.

  • ارتبطت الفراسة بالذكاء والنباهة، وكانوا يعتبرونها دليلاً على رجاحة العقل وحسن التقدير.

  • ظهرت في الأمثال العربية أقوال كثيرة تمجد الفراسة مثل: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله."

2. مجالات استخدام الفراسة عند العرب

  • التجارة: لمعرفة صدق التاجر من كذبه.

  • القيادة والحرب: لتقدير قوة العدو وضعفه من ملامحه وحركاته.

  • العلاقات الاجتماعية: للحكم على الضيف أو الغريب بسرعة.

  • اختيار الزوجة أو الزوج: حيث كانوا يربطون الملامح بالصفات الأخلاقية.

3. كتب العرب في الفراسة

  • "الفراسة" لابن القيم الجوزية: من أبرز الكتب التي ربطت بين الفراسة والإيمان.

  • "الفراسة" لفخر الدين الرازي: تناول فيه الفراسة من منظور فلسفي وعلمي.

  • "الفراسة" لابن سينا: جمع فيه بين الطب والفراسة وربط بين شكل الأعضاء والصفات النفسية.

الفراسة عند الشعوب الأخرى

1. الفراسة في الحضارة الصينية

  • عُرفت عندهم باسم "مينغ شيانغ" (Mian Xiang) أي "قراءة الوجه".

  • كانوا يعتقدون أن ملامح الوجه تكشف عن العمر المتوقع، الصحة، والحظ.

  • ركزوا على تفاصيل مثل:

    • الجبهة: تدل على الذكاء.

    • الأنف: يعكس الثروة والمكانة.

    • العينان: تكشفان عن الروح والمشاعر.

2. الفراسة في الحضارة اليونانية

  • اهتم الفيلسوف أرسطو بالفراسة واعتبرها علماً يساعد على معرفة الطباع من خلال الشكل الخارجي.

  • ظهرت كتب يونانية تصف العلاقة بين أشكال الجسد والطباع، مثل: الشخص ضخم الجسد يميل للقوة، والنحيل يميل للتأمل.

3. الفراسة عند الفرس والهنود

  • الفرس جمعوا بين الفراسة والنجوم (علم التنجيم).

  • الهنود ربطوا الفراسة بالجانب الروحي، حيث اعتبروا أن الوجه مرآة الكارما (الأعمال السابقة).

4. الفراسة عند الأوروبيين في العصور الوسطى

  • انتقلت الفراسة من العرب إلى أوروبا عبر الترجمة.

  • في عصر النهضة، بدأ الاهتمام بها يتزايد كجزء من الفلسفة والطب.

  • في القرن الثامن عشر ظهر مصطلح Physiognomy (علم الفراسة الغربي)، الذي ركّز على العلاقة بين ملامح الوجه والشخصية.

الفراسة في العصر الحديث

رغم التطور العلمي، ما زالت الفراسة تلقى اهتماماً، لكن بطرق جديدة:

  • علم النفس الحديث: يدرس لغة الجسد كتعبير عن المشاعر الداخلية.

  • التنمية البشرية: يستخدم خبراء العلاقات الفراسة لفهم الشخصيات وتحسين التواصل.

  • التحقيق الجنائي: يعتمد بعض المحققين على إشارات الجسد لاكتشاف الكذب.

  • المقابلات الوظيفية: تُستخدم الفراسة بشكل غير مباشر لتقييم المتقدمين للوظائف.

الفرق بين الفراسة ولغة الجسد

  • الفراسة التقليدية: تربط ملامح الوجه (مثل الأنف، الجبهة، العينين) بالطباع الدائمة.

  • لغة الجسد الحديثة: تركز على الحركات والتعبيرات اللحظية كدليل على المشاعر الوقتية.

  • الفراسة تعتبر شخصية أكثر ثباتاً، بينما لغة الجسد متغيرة تبعاً للموقف.

أمثلة عملية للفراسة عند العرب

  • كان العربي إذا رأى شخصاً عريض الجبهة قال: "هو عاقلٌ شجاع."

  • إذا كان أنفه معقوفاً وصفوه بالدهاء والمكر.

  • إذا كانت عيناه واسعتين، ربطوهما بالكرم والطيبة.

  • أما النحيل الضعيف فكانوا يعتقدون أنه ميال للتأمل وقلة الكلام.

نقد الفراسة

رغم شهرتها، إلا أن الفراسة تعرضت للانتقاد:

  • كثير من استنتاجاتها تعتمد على الظن والخبرة الشخصية وليست أدلة علمية دقيقة.

  • قد تؤدي إلى الأحكام المسبقة والتمييز ضد الآخرين.

  • بعض الأبحاث العلمية لم تثبت علاقة قوية بين الملامح والطباع.

لكن تبقى الفراسة جزءاً من التراث الإنساني الذي يعكس ذكاء الإنسان القديم ورغبته في فهم من حوله.

كيف نستفيد من الفراسة اليوم؟

  • تطوير مهارة الملاحظة لفهم الآخرين بشكل أفضل.

  • تعزيز التواصل الإيجابي في العمل والعلاقات الاجتماعية.

  • الحذر من استخدامها للحكم القطعي على الناس.

  • دمجها مع علم النفس ولغة الجسد للحصول على قراءة أدق للشخصيات.

إن الفراسة عند العرب وغيرهم من الشعوب ليست مجرد خرافة، بل هي علم شعبي قائم على الملاحظة والتجربة. اشتهر به العرب واستخدموه في حياتهم اليومية، ثم انتقل إلى الصينيين واليونانيين والأوروبيين. ورغم أن العلم الحديث يشكك في دقة الفراسة التقليدية، إلا أن جوهرها ما زال حياً في لغة الجسد وعلوم النفس الحديثة.

الفراسة تذكّرنا بأن الإنسان كان وما زال يسعى لفهم من حوله، وبأن قراءة الوجه والجسد تعكس جزءاً من طبيعتنا كبشر نبحث عن الحقيقة خلف الكلمات.


المقال السابق
المقال التالي

كُتب بواسطة:

0 Comments: