إدمان العلاقات (Love / Relationship Addiction): فهم الأعراض، الأسباب، التأثيرات، وسبل التعافي
في هذه الأيام، كثيرًا ما نسمع عبارات مثل “أنا مدمن علاقات” أو “لا أستطيع البقاء وحديًّا”. قد تبدو هذه العبارات مجازية، لكن هناك من يعاني فعليًا من أنماط تعلق وسلوك يُشبِّه الإدمان؛ حيث يكتفي الشخص بالعلاقة بطريقة مدمّرة، يهرب من الوحدة، أو يواجه صعوبة في رسم حدود صحية.
إدمان العلاقات (أو حب الإدمان) ليس مدرجًا رسميًا في الأدلة التشخيصية كاضطراب مستقل، لكن البحوث النفسية المعاصرة تشير إلى أنه يتداخل مع مفاهيم مثل التعلق غير الآمن، الاعتمادية العاطفية، والاعتماد العاطفي المفرط (codependency).
المقالة التالية تغطي تعريف الظاهرة، الأعراض، الأسباب، التأثيرات، التشخيص، وطرق العلاج، مع تسليط الضوء على أحدث الدراسات.
1. ما الذي تعنيه “إدمان العلاقات”
إدمان العلاقات (Relationship Addiction أو Love Addiction) يشير إلى نمط سلوكي ونفسي يتسم بما يلي:
-
اعتماد عاطفي مفرط على شريك/علاقات للحصول على التقدير، الهوية، الأمان الداخلي.
-
خوف مفرط من الوحدة أو الانفصال حتى لو كانت العلاقة ضارة.
-
البحث الدائم عن العلاقة حتى لو تكرر الانهيار أو الألم.
-
صعوبة وضع حدود صحية، أو السيطرة على سلوك التعلق.
وفق Healthline، إدمان العلاقات يتضمّن “الشعور بأنك ناقص بدون وجود شريك، التركيز أكثر على أن تكون في حالة حب منه على الحفاظ على علاقة صحية”. (Healthline)
وفق WebMD، الأعراض تُصبح مقلقة عندما العلاقة تُستخدَم كمصدر وحيد للسعادة، أو يعاني الشخص في حياته اليومية بسببها. (ويب ميد)
2. العلاقة مع مفاهيم نفسية أخرى: التعلق، الاعتمادية، الرابطة الصادمة
من المهم فهم كيف يرتبط إدمان العلاقات بمفاهيم نفسية موجودة:
-
نظرية التعلق (Attachment Theory): الأفراد الذين لديهم أنماط تعلق غير آمن — مثل التعلق القلق أو التعلق التجنبي — أكثر عرضة لتطوير علاقة إدمانية. دراسة حديثة من BMC Psychology وجدت أن “love addiction” مرتبط ارتباطًا قويًا بالاعتماد العاطفي (emotional dependence) وبالقلق من الفقد، بينما كان التعلق التجنبي مرتبطًا بقدرة أقل على الاستقلالية العاطفية. (BioMed Central)
-
الاعتمادية العاطفية (Codependency): حيث يُعطى الشريك الآخر أهمية مفرطة، ويُضحّى بحاجة ذاتية للحصول على قبول أو رضا. (Verywell Health)
-
الرابطة الصادمة (Trauma Bonding): علاقات تتضمن دورات من المودة/الاهتمام تليها الرفض أو الصراع، ما يزيد من تعلق الشخص بالإدمان العاطفي. (Verywell Health)
3. أسباب إدمان العلاقات
دعنا نستعرض الأسباب التي تساهم في ظهور هذا النمط:
-
تاريخ من الصدمات العاطفية أو الإهمال في الطفولة
الأفراد الذين عانوا من إهمال عاطفي، فقدان، أو علاقات آباء غير مستقرة غالبًا ما يكونون أكثر عرضة لأن يبحثوا عن الأمان العاطفي العاطفي في العلاقات الرومانسية بطريقة مفرطة. (Clearfork Academy) -
انماط التعلق غير الآمن
التعلق القلق (“هل سيحبني؟ هل سيتركني؟”) والتعلق التجنبي (الخوف من القرب، الخوف من التزام) يخلقان مزيجًا يؤدي إلى سلوك “الذهاب إلى العلاقة” بحثًا عن الأمان، أو تجنبها خوفًا من الأذى. (BioMed Central) -
اعتماد النفس المنخفض وتقدير الذات الضعيف
الأشخاص الذين ينقصهم احترام الذات يكونون أكثر احتمالًا للبحث عن التأكيد من الآخرين. -
الخوف من الوحدة أو العزلة
الشعور أن لا شيء يستحق الحياة إن لم يكن هناك علاقة، أو أن الوحدة هي مصير رهيب. -
أنماط العلاقات السابقة المؤذية
علاقات سابقة انتهت بخذلان أو خيبة أمل أو خيانة قد تجعل الشخص يبحث عن علاقة جديدة كتعويض. -
عوامل اجتماعية وثقافية
مثل الضغوط المجتمعية للزواج، مقارنات السوشيال ميديا، توقعات الأقران والمظهر.
4. علامات وأعراض إدمان العلاقات
إليك مجموعة من العلامات التي قد تدل على وجود إدمان في العلاقات:
-
الشعور بأنك “لا تكمل” بدون وجود شريك. (Healthline)
-
الخوف الشديد من الانفصال أو الرفض، حتى لو العلاقة مؤذية. (addictioncenter.com)
-
الرغبة في المراقبة الدائمة للشريك، أشكال من الغيرة المفرطة أو التهكّم.
-
التنقل السريع من علاقة إلى أخرى، والاكتفاء بالعلاقة العاطفية أكثر من الواقع العادي. (gentlepathmeadows.com)
-
تجاهل الاحتياجات الشخصية، الصحة النفسية، أو الهوايات؛ كل التركيز يذهب للعلاقة.
-
التشتّت في العمل أو الدراسة بسبب التفكير بالعلاقة أو الشريك.
-
نمط “انفصال-عودة” (on-off relationships) أو العلاقات المتقلبة.
-
صعوبة في تحديد الحدود العاطفية، قبول علاقات متوترة لتجنب الشعور بالوحدة.
5. التأثيرات النفسية والاجتماعية والجسدية لإدمان العلاقات
إدمان العلاقات لا يضر فقط العاطفة، بل يمكن أن يؤدي إلى آثار واسعة النطاق:
الأثر النفسي والعاطفي
-
الاكتئاب، القلق، الشعور بالغربة النفسية، الضياع identity confusion.
-
انخفاض تقدير الذات، الشعور بالذنب أو الخزي عند الانفصال أو عند إدراك أن العلاقة مدمّرة.
-
العصبية والتقلبات المزاجية.
-
ضعف القدرة على التركيز، واضطراب النوم.
الأثر الجسدي
-
إجهاد مزمن، مشاكل في النوم (أرق أو اضطراب في النوم).
-
آثار جسدية مرتبطة بالتوتر مثل الصداع، آلام العضلات، ضعف الجهاز المناعي.
الأثر الاجتماعي
-
العلاقات الأسرية أو الصداقات تتأثر بسبب إعطاء الأولوية للعلاقة الرومانسية.
-
العزلة الاجتماعية أو فقدان الأصدقاء لأن العلاقة تأخذ معظم الوقت.
-
مشاكل في العلاقات المستقبلية: خوف من الالتزام، نمط غير صحي للتعلق، قابلية الدخول في علاقات سيئة مرارًا.
6. التشخيص: كيف يُقيم إدمان العلاقات؟
رغم أن “إدمان العلاقات” ليس تشخيصًا رسميًا مستقلًا (ليست مُدرجة في DSM-5)، إلا أن هناك مؤشرات وأدوات تُستخدم لتقييمها:
-
مقاييس التعلق (Attachment Style Questionnaires): للتعرف على نمط التعلق القلق أو التجنبي.
-
استبيانات الاعتمادية العاطفية (Emotional Dependency Scales).
-
مقياس عشق الحب أو love addiction scales، مثل المستخدمة في دراسات BMC Psychology. (BioMed Central)
-
مقابلة نفسية سريرية: تقييم التاريخ العاطفي، الصدمات السابقة، نمط العلاقات، تقدير الذات.
-
تقييم الأعراض المرتبطة بالاكتئاب أو القلق لأن غالبًا ما تكون مرتبطة.
7. سبل العلاج والتعافي من إدمان العلاقات
إليك خطوات وعلاجات مدعومة من الأبحاث النفسية:
(أ) العلاج النفسي
-
العلاج المعرفي-السلوكي (CBT): فعال لتغيير الأفكار والمعتقدات المتعلقة بالاعتماد الزائد على الآخر، تطوير تقدير الذات. (USRehab.org)
-
العلاج المرتكز على التعلق (Attachment‐Based Therapy): للعمل على أنماط التعلق غير الآمنة، وفهمها، والتغيير التدريجي لها.
(ب) مجموعات الدعم
-
مثل Sex and Love Addicts Anonymous (SLAA)، حيث يجد الشخص مساندة من الآخرين الذين يمرون بالتجربة نفسها. (thecabinhongkong.com.hk)
-
الدعم الجماعي والمنتديات التي توفر مشاركة التجارب تساعد في تقليل الشعور بالوحدة.
(ج) ضبط الحدود والاعتماد على النفس
-
تعلّم وضع حدود صحية مع الشريك.
-
ممارسة أنشطة مستقلة عن العلاقة: هوايات، صداقات، تطوير الذات.
-
بناء الهوية الذاتية بعيدًا عن تعريفها من خلال علاقة.
(د) معالجة الصدمات السابقة
-
إذا كانت هناك صدمات طفولة أو تجارب انعدام أمان، يجب معالجتها عن طريق العلاج النفسي أو المشورة.
-
تقنيات مثل EMDR أو العلاج الذي يُركّز على الصدمة قد تساعد.
(هـ) تحسين الصحة النفسية والجسدية العامة
-
النوم، التغذية، ممارسة الرياضة كلها تؤثر في الحالة المزاجية.
-
تقنيات الاسترخاء، التأمل، اليقظة الذهنية (mindfulness) لتخفيف التوتر.
8. تحديات في التعافي
-
إنكار الشخص للمشكلة، أو التبرير (“أنا فقط أحتاج إلى الحب”).
-
التعلق القوي الذي يجعل الابتعاد أو وضع الحدود صعبًا.
-
الفجوة بين ما يشعر به الشخص وما يعتقد أنه يجب أن يكون عليه (“يجب أن أكون قادرًا على الحفاظ على العلاقة مهما كان”).
-
إمكانية الانتكاس إلى أنماط سلوك مكرّرة.
9. دراسات حديثة تسلّط الضوء
-
دراسة BMC Psychology (2025) بعنوان “A longitudinal network analysis of the relationship between love addiction, insecure attachment patterns, and interpersonal dependence” وجدت أن الإدمان على الحب مرتبط ارتباطًا عاليًا بالاعتماد العاطفي والقلق من الهجر وأنماط التعلق غير الآمنة. (BioMed Central)
-
Healthline تناقش أن “حب الإدمان” قد يُشبه الإدمان من حيث المسار الكيميائي في الدماغ، رغم غياب معايير رسمية، مع أعراض تشبه الانسحاب بعد الانفصال. (Healthline)
10. كيف تعرف أنك قد تحتاج إلى مساعدة؟
إذا لاحظت الأعراض التالية، فربما يكون الوقت مناسبًا للتفكير بطلب مساعدة مهنية:
-
تكرار دخول علاقات غير صحية أو مؤذية بحثًا عن العلاقة نفسها.
-
عدم قدرتك على قضاء وقت بمفردك دون شعور بالخواء أو الخوف.
-
العلاقة تجعلك تتخلى عن أشياء مهمة لك (الأصدقاء، الطموحات، الصحة النفسية).
-
الشعور أن حياتك تدور حول الشريك فقط.
-
الشعور بالقلق الشديد أو الاكتئاب عند الانفصال أو حين لا تكون في علاقة.
إدمان العلاقات ظاهرة ليست مجرد “حب مفرط” أو “رومانسيّة عالية”، بل غالبًا ترجمة داخليّة لحاجة قديمة، جروح طفولية، أو نقص في الثقة بالنفس.
لكن الحِكمة تكمن في أن ندرك أن العلاقة الصحية لا تعني الاعتماد الكامل على الآخر، بل المشاركة، الاحترام، المساحة الشخصية، وقوة الذات.
التعافي ممكن حين نتعلّم كيف نحب دون أن نخسر أنفسنا، كيف نكون مع الآخرين دون أن نُضيّع هويتنا، وكيف نصنع من العلاقة مصدر فرح لا مصدر ألم.
المصادر
-
A longitudinal network analysis of the relationship between love addiction, insecure attachment patterns, and interpersonal dependence — BMC Psychology (2025). (BioMed Central)
-
Healthline — Relationship Addiction: What It Really Means. (Healthline)
-
WebMD — Addictive Relationship: What Are the Signs and How to Recover? (ويب ميد)
-
AddictionCenter — Relationship Addiction: Understanding the Signs. (addictioncenter.com)
-
Conceptualization of Addiction to Romantic Relationships: A Conceptual Model — International Journal of Applied Behavioral Sciences (2018). (journals.sbmu.ac.ir)
-
Georgia Addiction Treatment Center — What Is Relationship Addiction, and Why Are Toxic Relationships So Harmful? (Georgia Addiction Treatment Center)
-
The Cabin Rehab — Relationship Addiction treatment options. (thecabinhongkong.com.hk)
0 Comments: